في الثاني عشر من آب/أغسطس 2025، وجّه أندريه أرانه كورّيا دو لاغو، الرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30)، رسالته الخامسة إلى المجتمع الدولي، من قلب الأمازون، حاملاً دعوة صريحة لإعادة وضع الإنسان في صميم العمل المناخي. استهل لاغو رسالته باستحضار روح ميثاق الأمم المتحدة، مذكّراً بأننا قبل أن نكون دولاً، نحن شعوب، وأن حماية الأجيال القادمة وصون الكرامة الإنسانية يجب أن تكون الغاية العليا لأي جهد مشترك لمواجهة أزمة المناخ.
ركزت الرسالة على أن العمل المناخي ليس مسألة تقنية أو علمية بحتة، بل هو قضية إنسانية عميقة، ترتبط بالذاكرة الجماعية والهوية والقيم، وبما نرغب في الحفاظ عليه أو تغييره من أجل المستقبل. دعا لاغو إلى النظر إلى الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي — من نساء وشباب وشعوب أصلية ومجتمعات ساحلية وريفية وذوي إعاقة — باعتبارهم شركاء وقادة في التحول العادل، لا مجرد ضحايا. هؤلاء، كما وصفهم، يحملون معارف متجذرة، وثقافات متوارثة، ونماذج حياة أكثر انسجاماً مع الطبيعة، تشكل رصيداً لا غنى عنه لصياغة مستقبل مستدام.
وفي سردٍ إنساني مؤثر، استعرض لاغو أدوار هذه الفئات في مواجهة التغير المناخي: فالنساء والفتيات يشكلن عماد التماسك الاجتماعي، والشباب والأطفال يذكّرون بأن الوقت ملكهم وأن الاستجابة العاجلة واجب، والشعوب الأصلية تحمي مساحات شاسعة من التنوع البيولوجي من خلال علاقة كونية مع الأرض، فيما تنقل المجتمعات الريفية والساحلية معارف متوارثة عن الأرض والمياه. كما أشار إلى إبداع سكان الأطراف الحضرية في إعادة تعريف الحياة في المدن، وإلى نماذج الرعاية المتبادلة التي طورها المسنون والمهاجرون وذوو الإعاقة والفقراء، والتي لا تزال السياسات المناخية بعيدة عن استيعابها بالكامل.
لم تكتفِ الرسالة بالاحتفاء بالرمزية، بل دعت إلى جعل COP30 بمثابة "طقس عبور" عالمي، يمر بثلاث لحظات أساسية: الحداد على الأرواح والمجتمعات التي فقدناها بسبب الكوارث المناخية وعلى نموذج التنمية القائم على الاستغلال؛ الحفاظ على القيم الإنسانية الجوهرية مثل التعاطف والتضامن؛ والانطلاق نحو بناء مستقبل يقوم على العدالة والاستدامة. كما وضعت الرئاسة البرازيلية للمؤتمر ثلاث أولويات رئيسية: تعزيز التعددية والنظام المناخي الدولي، ربط العمل المناخي بحياة الناس اليومية، وتسريع تنفيذ اتفاق باريس عبر إجراءات مؤسسية وهيكلية، مع التأكيد على أن جميع مسارات عمل المؤتمر — من التعبئة العالمية والمفاوضات الرسمية إلى جدول الأعمال وقمة القادة — يجب أن تعكس هذا النهج القائم على الإنسان أولاً.
لكن، ورغم الطابع الإنساني القوي للرسالة، فإن ترجمة هذه المبادئ إلى خطوات عملية تواجه تحديات بارزة. فإمكانية الوصول والمشاركة ما زالت محدودة، إذ تشكّل تكاليف السفر والإقامة والاعتماد حاجزاً أمام حضور المجتمعات الأكثر تضرراً. كما أن هناك خطراً من الرمزية المفرطة، حيث قد يتحول إشراك الفئات الهشة إلى عنصر شكلي إذا لم تُمنح أدوات حقيقية للتأثير في القرارات. وإلى جانب ذلك، تظل فجوة الخطاب والتطبيق قائمة، إذ إن لغة المفاوضات الدولية، المحمّلة بالمصطلحات التقنية، قد تبقى بعيدة عن واقع المجتمعات المحلية واحتياجاتها. وهناك أيضاً خطر الاستحواذ المؤسسي على خطاب العدالة المناخية، بحيث يصبح أداة دعائية في أيدي الحكومات أو الشركات دون إحداث تغييرات جوهرية في السياسات أو التمويل. وأخيراً، يبقى غياب الالتزامات المالية الملموسة عقبة حقيقية، فالمبادئ الإنسانية، مهما كانت ملهمة، ستظل شعارات ما لم تدعمها موارد موجهة ومحددة.
هكذا، تبدو رسالة COP30 الخامسة وثيقة تحمل بعداً إنسانياً قوياً وتفتح أفقاً لربط العمل المناخي بالقيم المشتركة والذاكرة الجماعية، لكنها أيضاً تذكير بأن العدالة المناخية لا تتحقق بالخطابات وحدها، بل تحتاج إلى إرادة سياسية واضحة، وتمويل عادل، وآليات تمكين فعلية تضع الناس — خصوصاً الأكثر هشاشة — في قلب صياغة القرارات التي ستحدد مستقبلهم.
بقلم هلا مراد
للاطلاع على النسخة الإنجليزية من الرسالة :
https://drive.google.com/file/d/1n8FuShfRWEXcyo9HWOm868WOE-jEQA8a/view?usp=sharing
للاطلاع على النسخة العربية من الرسالة :
https://drive.google.com/file/d/1ruKXIIatp25NjzAhX86cExv4DLhor-Eo/view?usp=drive_link