تتنامى حدة التهديدات الملقاة على المياه الجوفية بالمملكة وسط تعرض الأحواض "غير
المتجددة" منها للاستنزاف، ما عزّز دعوات مختصين في قطاع المياه نحو ضرورة وقف الهبوط الذي يؤدي لاستنزافها وبالتالي جفافها، وصولا لتحقيق معادلة متوازنة، تضمن الحفاظ على مستويات المياه الجوفية، المستنزفة أساسا في ظل شح المياه المتوفرة، وتأمين احتياجات المياه الأساسية اللازمة.
وفيما حذر بحث علمي نشرته مجلة "نيتشر" العلمية مؤخرا، يتحدث عن من مخاطر عدم تمكن الدراسة من الحصول على بيانات عن مستوى المياه الجوفية في دول عدة حول العالم، ما يصعب إسقاط أي استنتاجات حولها، أكد المختصون لـ "الغد"، أهمية إجراء الدراسات العلمية المحايدة اللازمة وخاصة المرتبطة باستخراج المياه الجوفية "غير المتجددة"، لا سيما في ظل الاستنزاف الذي تتعرض له تلك المياه، والمساهم في تعريضها لخطر النضوب.
وأشاروا لضرورة "إجراء دراسة تأثيرات استخراج أي مياه جوفية، على الينابيع، والمياه العذبة المحيطة، والبيئة بشكل عام، منبّهين من أي عمليات استخراج للمياه الجوفية العميقة دون دراسة تلك التأثيرات.
وفي حين رصد البحث العلمي الذي تمحور حول "تحديد الانخفاض العالمي في المياه الجوفية"، استنزافا كبيرا للمياه الجوفية، ربما حدث في بعض الدول التي تفتقر فيها إلى بيانات مراقبة الآبار، لذلك قد يكون تعميق مستوى المياه الجوفية أكثر انتشارا مما تشير إليه النتائج"، أوصى الخبراء بضرورة اتباع "النهج الشامل للإدارة المستدامة للمياه وحماية وتنويع مصادر المياه، الينابيع، والمياه العذبة المحيطة، والبيئة بشكل عام".
وفي هذا السياق، دعا الخبير الدولي في قطاع المياه محمد ارشيد، لضرورة تحديد الحد الآمن لاستخراج المياه الجوفية وعدم تجاوزه للمحافظة على منسوب المياه في الطبقات المائية الجوفية ووقف الهبوط الذي يؤدي لاستنزافها وبالتالي جفافها، وصولا لتحقيق معادلة متوازنة تضمن الحفاظ على مستويات المياه الجوفية المستنزفة أساسا في ظل شح المياه المتوفرة وتأمين احتياجات المياه الأساسية اللازمة.
وأكد أن بلوغ هذا الهدف يتطلب تحديد عناصر عدة، لخّصها ارشيد في أهمية تحديد حجم الطلب الحالي والمستقبلي ولكافة الاستخدامات، وحجم المياه المتاحة والمتوقعة مستقبلا، مضيفا أنه "على ضوء ذلك، يتم وضع خطة إستراتيجية ورسم السياسات المائية، على أن تشمل تلك الخطة، برامج عمل واضحة لتحقيق الأهداف القطاعية المطلوبة".
وأشار في السياق ذاته، إلى أهمية توفر بيانات صحيحة ومنتظمة ليتم تحليلها ودراستها وتحويلها لمعلومات تفيد في وضع الخطط والبرامج، موضحا أنه يجري العمل حاليا، وعلى مستويات عالمية، على تطبيق مفهوم الإدارة المشتركة للمياه والمقصود بها المياه الجوفية والسطحية للترابط المهم بينهم من حيث تغذية المياه الجوفية والحصاد المائي وغيره.
وبيّن أن الأردن يعاني استنزافا كبيرا للمياه الجوفية، حيث يتم الضخ ثلاثة أضعاف الحد الآمن، مما يؤدي لهبوط حاد في منسوب المياه الجوفية، إضافة إلى التأثير المناخي الذي سيساهم بانخفاض التغذية الجوفية بنسبة 15 % على المدى الطويل، توازيا وانخفاض إمدادات المياه الجوفية العام 2040 بنسبة تصل إلى 65 %.
وتابع ارشيد أنه سيكون 43 % من الآبار التي تستغل الطبقة المائية الرئيسة B2/A7، غير قابلة للاستغلال، وسيزداد الطلب على مياه الشرب بنسبة 30 % مقابل ما سيكون متاحا في العام 2040 والذي يتوقع أن يلبي 35 % من الاحتياج فقط.
ويعد القطاع الزراعي ومياه الشرب المعتمدة بشكل رئيسي على المياه الجوفية، بنسبة 47 % تقريبا للشرب والقطاع الزراعي 48 % أكبر مستهلكي المياه الجوفية، وفق ارشيد.
وفي إطار الحد من استنزاف المياه الجوفية، أوصى الخبير الدولي بضرورة العمل على تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتوفير مياه الشرب وتخفيض الضغط على الطبقات الجوفية، والعمل على ترشيد استهلاك القطاع الزراعي من المياه الجوفية وإيجاد بدائل مساندة كالمياه العادمة المعالجة، وإنفاذ القوانين والأنظمة المتعلقة بحفر الآبار المخالفة ووضع حد للتجاوزات والاستعمالات غير المشروعة.
وذلك إلى جانب أهمية تشجيع الحصاد المائي وزيادة القدرة التخزينية للسدود عبر إزالة الترسبات، وتحسين البنية التحتية الحضرية المراعية للبيئة، والتغذية الصناعية، وإصلاح ممارسات الري وتحسين كفاءة أنظمتها، وتحسين كفاءة استخدام المياه بهدف زيادة المردود الاقتصادي لكل متر مكعب من المياه المستخدمة، بالإضافة لإيجاد حلول ابتكارية للحفاظ على المياه الجوفية.
وأكد ضرورة الاهتمام بالأمن الغذائي وتلبية احتياجاته من مياه الري دون الإفراط في استخراج المياه الجوفية، منوها لأن الأردن من أوائل الدول التي أنشأت وحدة لمراقبة المياه الجوفية وإدارتها.
ولفت لبيانات مهمة بحاجة لتقييم بهدف وضع السياسات المناسبة للحد من استنزاف المياه الجوفية، وقال إن وزارة المياه والري تستخدم تقنيات الاستشعار عن بعد للمساعدة في تقييم كميات المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة، مؤكدا أهمية إيجاد جهة مختصة كهيئة تنظيمية مستقلة ومنفصلة عن وزارة المياه تقوم بتنظيم أعمال القطاع ورسم سياساته ووضع خطط إستراتيجية تشمل برامج عمل واضحة وعملية لتوفير المياه لكافة القطاعات على ضوء زياده الطلب والعجز الكبير المتوقع.
ومن ناحيته، أكد خبير المياه الجوفية د. إلياس سلامة أهمية إجراء الدراسات العلمية المحايدة اللازمة وخاصة المرتبطة باستخراج المياه الجوفية "غير المتجددة"، سيما في ظل الاستنزاف الذي تتعرض له تلك المياه، والمساهم في تعريضها لخطر النضوب، والذي يؤول نهاية للاضطرار نحو اللجوء لبدائل أخرى.
وقال سلامة إنه من الواجب إجراء دراسة تأثيرات استخراج أي مياه جوفية، على الينابيع، والمياه العذبة المحيطة، والبيئة بشكل عام، منبّها من أي عمليات استخراج للمياه الجوفية العميقة دون دراسة تأثيراتها قبل القيام بالاستخراج من قبل المختصين والمؤسسات المعنية.
ومن جانبها، أكدت الأستاذة في كلية هندسة وإدارة الموارد الطبيعية في الجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية، أهمية العمل على النهج الشامل للإدارة المستدامة للمياه وحماية وتنويع مصادر المياه، مشيرة لشموله أيضا على الاستخدام الفعال للموارد المائية، وحماية نوعية المياه، والحفاظ على النظم البيئية المائية.
ومتابعة لتوصياتها في إطار إمكانية الحفاظ على مستويات المياه في الآبار الجوفية المستنزفة وتأمين احتياجات المياه الأساسية، بينت هندية أن العمل على النهج الشامل للإدارة المستدامة للمياه، يتضمن الحفاظ على المياه في جميع استخداماتها، والاستفادة من المياه السطحية وتجميع مياه الأمطار، وتحلية المياه، وإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية.
وذلك إلى جانب دور إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالج للأغراض الزراعية والصناعية، في خفض الضغط على طبقات المياه الجوفية، لضمان توافر الموارد المائية للأجيال القادمة مع حماية البيئة وتعزيز التنمية الاقتصادية.
واعتبرت خبيرة إدارة الموارد الطبيعية في "الألمانية الأردنية"، أن كلا من التغذية الاصطناعية وإدارة المياه الجوفية من الحلول الفعالة لمعالجة استنزاف طبقات المياه الجوفية والمياه الجوفية.
وأوضحت بهذا الخصوص أن التغذية الاصطناعية تنطوي على إضافة المياه إلى طبقة المياه الجوفية، في حين تنطوي إدارة المياه الجوفية على تنظيم استخدام المياه الجوفية. وشددت على إدارة المياه الجوفية من خلال مراقبة مستويات المياه، وتنظيم استخدام المياه الجوفية، وتنفيذ تدابير المحافظة عليها، ومراقبة التغيرات الهيدرولوجية للتخفيف من آثار الهبوط والحفر الباطنية، ووضع التشريعات التي تنظم استخدام المياه الجوفية، ومنع إصدار تصاريح للمشاريع التي يمكن أن تؤثر على تلك المياه.
واستعرضت مثالا على ما أدى إليه توسع المناطق الحضرية والطرق والبنية التحتية، من تدمير مناطق التغذية الطبيعية، والتي تعتبر ضرورية لإعادة تغذية موارد المياه الجوفية، مضيفة أن "فقدان مناطق التغذية هذه أدت لانخفاض توافر المياه الجوفية واستنزاف طبقات المياه الجوفية".
وحذرت هندية من تحديات تبني ممارسات الإدارة المستدامة للمياه، وأبرزها الافتقار أحيانا، للوعي والفهم لهذه القضية بالإضافة للافتقار إلى الإرادة السياسية والموارد المالية لتنفيذ ممارسات الإدارة المستدامة للمياه.
وعودة للدراسة ذاتها، أظهرت بعض بيانات الأقمار الصناعية أن تخزين المياه الجوفية انخفض في بعض المناطق التي تفتقر فيها لبيانات مراقبة الآبار، مبينة أن المحاكاة من نموذج عالمي، كشفت أن استنزافا كبيرا للمياه الجوفية ربما حدث في بعض الدول التي نفتقر فيها إلى بيانات مراقبة الآبار، لذلك قد يكون تعميق مستوى المياه الجوفية أكثر انتشارا مما تشير إليه النتائج.
وفسّر التقرير رصد بعض التباين في اتجاهات مستوى المياه الجوفية بين الآبار المشتركة جزئيا؛ بالاختلافات في أعماق آبار المراقبة القريبة، حيث يمكن أن يكون لطبقات المياه الجوفية الضحلة والعميقة اتجاهات مختلفة لمستوى المياه الجوفية.
وأقرّت الدراسة إمكانية التأثير المباشر لتقلب المناخ وتغيره، على مستويات المياه الجوفية، مثل التغيرات في تغذية المياه الجوفية بسبب التغيرات في التقلب الزمني لهطل الأمطار، وأيضا تأثيرات غير مباشرة على مستويات المياه الجوفية، مثل التغيرات في الطلب على المياه الجوفية استجابة لتقلبات المناخ، كزيادة سحب المياه الجوفية خلال الفترات الزمنية الأكثر جفافا.
وقام الباحثون في الدراسة ذاتها، بتحليل اتجاهات منسوب المياه الجوفية في الموقع لـ 170 ألف بئر مراقبة و1693 شبكة من طبقات المياه الجوفية في الدول التي تشمل نحو 75 ٪ من عمليات سحب المياه الجوفية العالمية.
وفي تفاصيل البحث، أفادوا أن انخفاض مستوى المياه الجوفية تسارع على مدى العقود الأربعة الماضية، تجسد في 30 % من طبقات المياه الجوفية الإقليمية في العالم.
واعتبر التقرير أن موارد المياه الجوفية حيوية للنظم الإيكولوجية وسبل العيش، لافتا لمساهمة عمليات سحب المياه الجوفية المفرطة في انخفاض مستويات المياه الجوفية، مما يؤدي لتسرب مياه البحر، وهبوط الأرض، واستنفاد تدفق المجاري، وجفاف الآبار.