الاستشعار عن بعد: أداة حاسمة لاختيار المواقع الإنشائية بكفاءة ودقة


الأربعاء 13 أغسطس 2025
الاستشعار عن بعد: أداة حاسمة لاختيار المواقع الإنشائية بكفاءة ودقة

د. هبة عبد المطلب أحمد

دكتوراه في الهندسة البيئية - جامعة عين شمس
خبيرة في الهندسة البيئية ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد
تعمل حاليًا استشارية بيئية وهيدرولوجية بالرياض.

 

 

في ظل التوسع العمراني وتسارع وتيرة تنفيذ المشاريع حول العالم، أصبح اختيار الموقع المناسب لأي مشروع إنشائي خطوة استراتيجية تحدد نجاحه أو فشله على المدى البعيد. فالموقع الذي يبدو مثاليًا للعين المجردة قد يخفي خلفه تحديات جيولوجية أو بيئية أو هيدرولوجية لا يمكن اكتشافها إلا بالأدوات العلمية المتقدمة. وهنا يظهر دور تقنيات الاستشعار عن بعد (Remote Sensing) المدعومة بـ نظم المعلومات الجغرافية (GIS) كحليف رئيسي لصناع القرار والمهندسين والمخططين.

كيف يعمل الاستشعار عن بعد في تقييم المواقع؟

تعتمد هذه التقنية على تحليل بيانات يتم جمعها من الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار أو المستشعرات الجوية، والتي توفر صورًا وقياسات دقيقة لسطح الأرض وخواصه. من خلال هذه البيانات يمكن:

  • تحليل الطبوغرافيا بدقة مترية: تحديد الانحدارات، والارتفاعات، ومناطق الاستقرار والانزلاق الأرضي.
  • تحديد نوعية التربة والصخور: باستخدام المؤشرات الطيفية، يمكن معرفة التركيب المعدني للتربة وقدرتها على التحمل.
  • دراسة النظم الهيدرولوجية: التعرف على مجاري السيول، مناطق تجمع المياه، ومستويات المخاطر من الفيضانات أو التعرية.
  • تحليل استخدامات الأراضي والنشاط البشري: تقييم التداخل مع الأنشطة الزراعية أو الصناعية أو المناطق المحمية.

توفير الوقت والموارد

بدلاً من الاعتماد على أسابيع أو شهور من المسوحات الميدانية المكلفة، يمكن لفرق العمل تحليل المواقع عن بُعد في غضون أيام، مع تغطية مساحات واسعة لا يمكن الوصول إليها بسهولة. على سبيل المثال، في مشاريع محطات الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية، تُستخدم صور الأقمار الصناعية لتحديد المواقع ذات أعلى معدلات الإشعاع الشمسي وأقل معدلات الغبار أو العوائق التضاريسية، قبل إرسال أي فريق ميداني.

دقة عالية وقرارات أكثر أمانًا

الميزة الأهم هي القدرة على تحليل البيانات تاريخيًا وزمنيًا، أي دراسة تغير الموقع خلال السنوات السابقة. هذا ما يسمى بـ تحليل التغير الزمني (Change Detection)، والذي يساعد في توقع التغيرات المستقبلية، مثل توسع المناطق العمرانية أو تغيّر مستوى المياه الجوفية أو معدلات التعرية.

أمثلة عالمية ومحلية

  • في السعودية: استخدمت هيئة المساحة الجيولوجية وتقنيات الاستشعار عن بعد لتحديد أفضل مواقع السدود ومناطق الحماية من السيول في جازان وعسير، مما وفر ملايين الريالات من خلال تقليل الأخطاء في تصميم المواقع.
  • عالميًا: في أستراليا، تم استخدام البيانات الطيفية والرادارية لاختيار مواقع مزارع الرياح، ما أدى إلى خفض المخاطر البيئية وضمان أقصى استفادة من سرعة الرياح.

الخلاصة

لم يعد الاستشعار عن بعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في دورة حياة المشاريع الإنشائية. فهو يجمع بين الدقة العلمية والكفاءة الزمنية وخفض التكاليف، مما يجعل القرارات أكثر وعيًا واستدامة. وفي عصر تتزايد فيه التحديات البيئية والمخاطر الجيولوجية، يصبح الاستثمار في هذه التقنية استثمارًا مباشرًا في نجاح المشاريع وحماية الموارد.