يوم الأرض: من الاحتفال إلى الالتزام


الثلاثاء 22 أبريل 2025
يوم الأرض: من الاحتفال إلى الالتزام

كتبت د.منال سخري - الجزائر

خبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة




في الثاني والعشرين من أبريل من كل عام، يلتفت العالم للاحتفال بـ"يوم الأرض"، ليس كفعالية رمزية فحسب، بل كتعبير عن وعيٍ جمعي يزداد إلحاحًا؛ لأن الأرض لم تعد تنتظر مظاهر الاحتفال، بل تتوق إلى التزام حقيقي. التزام يعيد النظر في علاقتنا معها، في أنماط استهلاكنا، في السياسات التي تدير مواردها، وفي سلوكياتنا اليومية التي فاقت في ضررها ما يمكن أن تتحمله الطبيعة
.

لقد تجاوزت الأرض مرحلة التنبيه، ولم تعد بحاجة إلى المزيد من الخطابات ولا إلى شعارات عابرة، بل إلى خطوات صادقة تُترجم الوعي إلى سلوك، والخوف إلى فعل و أن تصبح البيئة أولوية في السياسات، وأن تكون العدالة المناخية جزءًا من الضمير الجمعي، لا بندًا هامشيًا في جداول المؤتمرات.

ما بين الاحتفال والمسؤولية.. ماذا يعني يوم الأرض حقًا؟

"يوم الأرض" ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو صرخة كوكب يتنفس بصعوبة؛ نتيجة تغيّر المناخ، وتدهور التنوع البيولوجي، والتوسع العمراني غير المدروس، والتلوث الذي طال حتى أعماق المحيطات. لم يعد الحديث عن تنمية ممكنًا دون أن تكون شاملة ومستدامة، ولم يعد تجاهل العدالة المناخية مقبولًا في أي خطاب جاد.

في هذا السياق، يبرز دورنا كأكاديميين، وإعلاميين، ومواطنين، في أن نكون في مقدّمة الصفوف الداعية للتغيير. فالمعرفة وحدها لا تكفي ما لم تتحول إلى وعي حي، وسلوك يومي، وسياسات عادلة. نحن بحاجة إلى ثقافة بيئية جديدة، تعيد للإنسان مسؤوليته الأولى: "الخلافة في الأرض".

كوكب واحد.. مصير مشترك

البيئة ليست طرفًا في معادلة السياسة أو الاقتصاد، بل هي الأساس الذي تُبنى عليه كل المعادلات. وإذا أردنا مستقبلًا آمنًا للأجيال القادمة، لا بد من إعادة تعريف مفاهيم "النمو" و"التقدّم" بما يتماشى مع قدرة كوكبنا على التجدد.و أن نبدأ اليوم بخطوات حقيقية تبدأ من التعليم، وتمر بالتشريعات، وتنمو بالشراكة بين الدولة والمجتمع.

فمسؤولية حماية الأرض لا تقع على الحكومات وحدها، بل تتوزع بين صانع القرار، والإعلامي، والباحث، والمعلم، والفنان، ورب الأسرة. كل صوت يعلو من أجل البيئة هو لبنة في بناء ثقافة الاستدامة.

ختاما فإن يوم الأرض ليس مجرد حملة توعوية عابرة، بل يجب أن يكون لحظة مراجعة عميقة لسلوكياتنا الفردية والجماعية. تبدأ الاستدامة من تفاصيل صغيرة: فصل النفايات، ترشيد استهلاك الماء والطاقة، دعم المنتجات المحلية والمستدامة، تقليل الاعتماد على البلاستيك، والمطالبة بسياسات عادلة بيئيًا.

ولنتذكّر دائمًا أن الأرض أمانة بين أيدينا، ومسؤوليتنا أن نُسلّمها لأجيال لم تولد بعد، أكثر عدلًا، ونقاءً، وأمانًا.