ورقة بحثية جديدة تدعو قطاع التمويل الإسلامي إلى سحب استثماراته من الفحم عقب بروز أدّلة تشير إلى تسبّبه بثمان ملايين وفيّات سنوية وخسائر تُقدَّر بتريليونات الدولارات


الاثنين 17 نوفمبر 2025
ورقة بحثية جديدة تدعو قطاع التمويل الإسلامي إلى سحب استثماراته من الفحم عقب بروز أدّلة تشير إلى تسبّبه بثمان ملايين وفيّات سنوية وخسائر تُقدَّر بتريليونات الدولارات

بيليم، البرازيل – 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025: أطلقت كلّ من غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومبادرة التمويل الأخلاقي العالميّة، في إطار تحالف أمّة لأجل الأرض، وخلال إحدى الفعاليات في قمّة المناخ COP30 عن التحوّل العادل للأراضي، ورقتهما البحثيّة الجديدة كاملةً تحت عنوان "إعادة تقييم مسألة الفحم في قطاع التّمويل الإسلاميّ: موجباتٌ أخلاقيّة لِسحب الاستثمارات ودعم الاستدامة".

 

قالت المديرة التّنفيذيّة لمنظّمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غوى النكت: "إنّ الضّرر الحقيقي للفحم يترجم بالأرواح المفقودة والاقتصادات المرهقة. فالأدلّة واضحة لا لبس فيها: تلوّث الفحم يسبّب ملايين الوفيات المبكرة وخسائر سنوية تُقدّر بتريليونات الدولارات، بينما يظّل أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطّاقة. تحوّل هذه الورقة الأدّلة إلى مسار عملي واضح لقطاع التمويل الإسلامي: استبعاد الفحم، التأكّد من تناغم الإجراءات العمليّة مع مقاصد الشريعة، وتوجيه رأس المال نحو الطّاقة المتجددة التي تحمي الإنسان والكوكب. في إطار قمّة المناخ COP30 في بيليم، نحن لا نطلب مجرّد تعهّدات، بل نقدّم مسارًا عمليًا: تحديث معايير الفحص لتعكس مبادئ الطيّب، سحب الاستثمارات من الفحم على أساس الأخلاقيات الدينية وتحمّل المسؤوليات، وضع جداول زمنية محكمة للتخلّص من الفحم تترافق مع ضرورة الإفصاح، وتوسيع نطاق الصّكوك الخضراء لتمويل تحوّل عادل للعمال والمجتمعات. لقد حان الوقت لدمج الوضوح الأخلاقي مع الحوكمة المالية المنضبطة".

قدّمت الورقة البحثية أدّلة تربط تلوّث الفحم بنحو 8.7 مليون وفاة مبكرة سنويًا، وهو رقم مماثل لما يتسبّب به استهلاك التّبغ، كما سلّطت الضوء على الخسائر الاقتصادية السنوية البالغة 8.1 تريليون دولار أمريكي وهي ناجمة عن تلوّث الهواء المرتبط بالوقود الأحفوري، أي ما يعادل 6.1% من الناّتج المحلّي الإجمالي العالمي (2019). وخلصت الورقة إلى أن الاستمرار في الاستثمار في الفحم يتعارض مع الأسس الأخلاقية للتمويل الإسلامي، ويُعد انتهاكًا لمقاصد الشريعة الإسلامية المتعلّقة بحفظ النفس والثروة والبيئة.

بالإضافة إلى ذلك، تستند هذه الورقة إلى سابقة تحريم التبغ لتُظهر كيف تكيّف الفقه الإسلامي مع الأدلّة العلمية التي أثبتت وجود الضّرر، ممّا أدى إلى تحريم ممارسات كانت في السابق مقبولة. ومن خلال تطبيق مبدأ القياس، تجادل الورقة بأنّ المنطق نفسه ينطبق على الفحم، إذ يُعزى إليه ما يقارب 41% من الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الطّاقة في عام 2024، وهو ما يُعد عاملًا رئيسيًا في تفاقم أزمتي المناخ والصّحة العامّة.

ومن جهته، قال المدير العام لمبادرة التمويل الأخلاقي العالميّة عمر الشيخ: "مع تعييننا في مجموعة تفعيل أجندة العمل لقمّة المناخ COP30، نركّز على توسيع نطاق الأثر الملموس على الّصعيد العالمي. نحن ندفع من خلال المقاربة التي نعتمدها في مبادرة التمويل الأخلاقي العالميّة لنتخطّى حدود المألوف ولنتحدّى القواعد السائدة، ولهذا نعيد تقييم معايير فحص القطاعات في التمويل الإسلامي، لضمان تطوّر المبادئ الأخلاقية والدينية بما يتماشى مع الأدّلة العلمية الجديدة التي تكشف وجود آثار سلبية على حياة الإنسان والكوكب. قبل 250 عامًا في اسكتلندا، نشر آدم سميث كتاب "ثروة الأمم" الذي تحدّى فيه النهج الاقتصادي التقليدي السائد، وعلينا اليوم أن نعيد التفكير في غرض رأس المال والأسواق من وجهة نظر الحفاظ على صحّة كوكبنا. تمثّل هذه الورقة خطوة مهمّة في هذا التوجّه، إذ تقدم إطارًا عمليًا للعمل بدلًا من مجرد التطّلعات".

Arabic Picture 2.png

من أهمّ ما ورد في الورقة البحثية:

  • يسبّب التلوّث الناتج عن الوقود الأحفوري بنحو 8.7 مليون وفاة مبكرة سنويًا، علمًا أنّ الفحم يساهم بالعدد الأكبر منها.

  • 8.1 تريليون دولار أمريكي: الخسائر الاقتصادية العالمية الناتجة عن الأضرار الصحيّة لتلوّث الهواء.

  •  يساهم احتراق الفحم في نحو 41% من مُجمل الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري ويطلق ما يقارب 42 مليون طنّ من غاز الميثان كل سنة.

  • تستهلك صناعة الفحم نحو 22.7 مليار متر مُكعّب من المياه العذبة، أي ما يُعادل مقدار الاحتياجات الأساسيّة لأكثر من مليار نسمة.

  • على الرّغم من وجود بدائل متجدّدة وعمليّة، إلّا أن أكثر من ثلث الاستثمارات الجديدة في الفحم تقع في دول ذات أغلبية مسلمة.

وقدّمت الورقة أيضًا بطاقة تقييم الضرورة، وهو إطار عمل تشخيصي جديد يساعد للمرة الأولى العلماء والمنظمّين والمؤسّسات على تحديد شروط السّماح لاستخدام الفحم مؤقتًا ومتى يجب تحريمه. وقدّمت الورقة معايير واضحة تتعلّق بالضرورة، والقدرة الوطنية، و الإستعدادية للتحوّل، وهو ما سيعزّز الاتّساق عبر أسواق التمويل الإسلامي.

وقال مستشار حملة "التمويل الإسلامي لأجل الأرض" التابعة لمشروع أمّة لأجل الأرض في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طارق العليمي: "ما يبرز في هذه الورقة البحثية هو بطاقة تقييم الضرورة، وهو إطار عملي لتقييم متى قد يكون استخدام الفحم ضروريًا ومؤقتًا استنادًا إلى معايير محدّدة وقابلة للقياس. يُشكّل الفحم معضلة أخلاقية أكبر من التبغ، إذ أنّ أضراره منهجية وعالمية وعابرة للأجيال. إنّ المهمة الملقاة على عاتق العلماء والممارسين هي ترجمة الأدّلة الساحقة إلى وضوح فقهي وحوكمة مالية. من خلال تطبيق نفس المنطق الذي أدّى إلى تحريم التبغ، يمكن للتمويل الإسلامي أن يقود العمل المناخي استنادًا إلى مبادئه الأخلاقية الخاصة بدلًا من تطبيق أطر خارجية".

 

وفي الختام، تدعو الورقة إلى تحديث معايير الفحص في التّمويل الإسلاميّ عبرَ عملٍ مُنسّقٍ يتعاون على إنجازِه كلٌّ من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة، ومجمّع الفقه الإسلاميّ الدّوليّ التّابع لمنظّمة التّعاون الإسلاميّ، ومجلس الخدمات الإسلاميّة الماليّة والمصارف المركزيّة، على سبيل الذّكر لا الحصر. وتُوجّهُ إلى المؤسّسات الآنف تعديدُها دعوة حثيثة إلى إدراج الاستغناء المُتدرّج عن الفحم في المعايير المُعتمدة، وإلى تعزيز الأدوات المستدامة بالإضافة إلى تنفيذ آليّات سياسيّة تدعمُ تحوّل الطّاقة العادل. 



هذه الورقة البحثية هي ثمرة التعاون بين منظمّة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومبادرة التمويل الأخلاقي العالميّة في إطار جهودهما المشتركة لتعزيز التمويل الإسلامي المستدام.